فصل: تفسير الآيات (47- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال مجد الدين الفيروزابادي:
بصيرة في التفويض:
يقال: فَوّض إِليه أَمرَه أي ردّه إِليه.
وأَصله من قولهم: أَمرهم فوضَى بينهم وفوْصُوضَى وفَوْضُوضاءُ إِذا كانوا مختلِطين يتصرّف كلّ منهم في مال الآخر.
وقوم فَوْضَى: متساوون لا رئيس لهم.
أَو متفرّقون أَو مختلِط بعضُهم ببعض.
ومنه شركة المفاوضة وشركة التفاوض.
وهو الاشتراك في كلّ شيءٍ.
واختُلِف في التفويض والتَّوكُّل أَيّهما أَعلى وأَرفع.
فقال الشيخ أَبو عبد الله الأَنصارى: التفويض أَلطف إِشارةً وأَوسع معنى؛ فإِنَّ التَّوكُّل بعد وقوع السّبب، والتَّفويض قبل وقوعه وبعده.
وهو من الاستسلام، والتوكُّل شُعبةٌ منه يعنى أَنَّ المفوِّض بين أَمر الحَول والقوّة، ويُفوضّ الأَمر إِلى صاحبه من غير أَن يقيمه مُقام نفسه في مصالحة.
بخلاف التوكُّل فإِنَّ الوكالة تقتضى أَن يقوم الوكيل مقام الموكِّل.
والتفويض براءَة وخروج من الحول والقوة وتسليم الأَمر كلَّه إِلى مالكه.
وقال غيره: كذلك التوكل أَيضًا، و ما قَدَحْتُم به في التوكُّل يرِد عليكم نظيره في التّفويض سواءً، فإِنَّا نقول: كيف يفوّض شيئًا لا يملكه البتَّة إِلى مالكه وهل يصحّ أَن يفوّض واحد من آحاد الرّعيّة المُلْك إِلى ملِك زمانه.
فالعلَّة إِذًا في التَّفويض أَعظم منها في التوكُّل.
بل لو قال: قائل: التَّوكُّل فوق التفويض وأَجلّ منه وأرفع، لكان مصيبًا.
ولهذا القرآن مملوء به أَمرًا وإِخبارًا عن خاصّة الله وأَوليائه وصفوة عباده؛ فإِنَّه حالهم، وأَمر به رسوله في أَربعة مواضع كما تقدّم في بصيرة التوكُّل.
وسماه المتوكِّلَ في التوراة؛ ثبت ذلك في صحيح البخارى، وأَخبر عن رُسُله بأَنَّ حالهم التوكُّل، وأَخبر النبىّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن السبعين أَلفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أَنَّهم أَهل مقام التَّوكُّل.
ولم يجيءْ التفويض في القرآن إِلاَّ فيما حكاه تعالى عن مؤمن آل فرعون من قوله: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} وسيعود تمام الكلام عليه في مقصد التَّصوف إِن شاءَ الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (47- 50):

قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان هذا من خبر موسى عليه السلام وفرعون أمرًا غريبًا جدًّا، قل من يعرفه على ما هو عليه، لأنه من خفي العلم، أشار سبحانه إلى ذلك بقوله: {وإذ} أي اذكر لهم هذا الذي أنبأناك به مما كان في الزمن الأقدم، ولا وصول له إليك إلا من جهتنا، لأنهم يعلمون قطعًا أنك ما جالست عالمًا قط، واذكر لهم ما يكون في الزمن الآتي حين {يتحاجون} أي هؤلاء الذين نعذبهم {في النار} أي يتخاصمون فيما أتباعهم ورؤساؤهم بما لا يغنيهم: {فيقول الضعفاء} أي الأتباع {للذين استكبروا} أي طلبوا أن يكونوا كبراء.
ولما كانوا لشدة ما هم فيه يتبرأ كل منهم من صاحبه.
أكدوا قولهم: {إنا كنا لكم} أي دون غيركم {تبعًا} أي أتباعًا، فتكبرتم على الناس بنا، وهو عند البصريين يكون واحدًا كجمل ويكون جمعًا كخدم جمع خادم، ولعله عبر به إشارة إلى أنهم كانوا في عظيم الطواعية لهم على قلب رجل واحد ولما كان الكبير يحمي تابعه، سببوا عن ذلك سؤالهم فقالوا: {فهل أنتم} أي أيها الكبراء {مغنون} أي كافون ومجزون وحاملون {عنا نصيبًا من النار}.
ولما أتى بكلام الضعفاء مضارعًا على الأصل، وإشارة مع تصوير الحال لأنه أقطع إلى طول خصامهم لأنه أشد في إيلامهم، فتشوف السامع إلى جوابهم، استأنف الخبر عنه بصيغة الماضي تأكيدًا لتحقيق وقوعه ردًا قد يتوهمه الضعيف من أن المستكبر له قوة المدافعة وإباء الأنفة فقال: {قال الذين استكبروا} أي من شدة ما هم فيه.
ولما كان الأتباع قد ظنوا أن المتبوعين يغنون عنهم، أكدوا إخبارهم لهم بما ينافي ذلك فقالوا: {إنّا كل} أي كلنا كائنون {فيها} أي النار، كل يناله من العذاب بقدر ما يستحقه سواء إن جادلتمونا أو تركتم جدالنا ولا يظلم بك أحدًا، فلة قدرنا على شيء لأغنينا عن أنفسنا، ولو سألنا أن نزاد أو ننقص لما أجبنا.
فإن هذه دار العدل فاتركونا وما نحن فيه.
ولما كان حكم الله تعالى مانعًا مما كان يفعل في الدنيا من فك المجرم وإيثاق غيره به، وكان سؤالهم في الإغناء سؤال من يجوز أن يكون حكمه على ما عليه الأحكام من حكام أهل الدنيا، عللوا جوابهم مؤكدين فقالوا: {إن الله} أي المحيط بأوصاف الكمال {قد حكم بين العباد} أي بالعدل، فأدخل أهل الجنة دارهم، وأهل النار نارهم، فلا يغني أحد عن أحد شيئًا.
ولما دل على أنه لا يغني أحد عن أحد شيئًا، أخبر إنهم لما رأوا بعدهم من الله وأنهم ليسوا بأهل لدعائه سبحانه، علقوا آمالهم بتوسط الملائكة، فأخبر عن ذلك منهم بقوله: {وقال الذين في النار} أي جميعًا الأتباع والمتبوعون {لخزنة} ووضع موضع الضمير قوله: {جهنم} للدلالة على أن سؤالهم لأهل الطبقة التي من شأنها وشأن خزنتها تجهم داخليها ليدل على أنهم لسوء ما هم فيه لا يعقلون، فهم لا يضعون شيئًا في محله كما كانوا في الدنيا: {ادعوا ربكم} أي المحسن إليكم بأنكم لا تجدون ألمًا من النار {يخفف عنه يومًا} أي مقداره {من العذاب} أي بعضه.
ولما سألوهم، استأنفوا جوابهم إشارة إلى ما حصل من تشوف السامع إليه، معرفين لهم بسياقه بالسبب، الجاعل لهم في محل الاطراح والسفول عن التأهل لأن يسمع لهم كلام، فقال تعالى مخبرًا عنهم: {قالوا} أي الخزنة.
ولما كان التقدير: ألم تكن لكم عقول تهديكم إلى الاعتقاد الحق، عطف عليه قوله إلزامنًا لهم الحجة وتوبيخًا وتنديمًا بتفويت أوقات الدعاء المجاب: {أولم} ولما كان المقام خطرًا، والمرام وعرًا عسرًا، فكانوا محتاجين إلى الإيجاز، قالوا مشيرين بذكر فعل الكون مع اقتضاء الحال للإيجاز إلى عراقة الرسل عليهم السلام في النصح المنجي من المخاوف بالمعجزات والرفق والتلّطف وطول الأناة والحلم والصبر مع شرف النسب وطهارة الشيم وحسن الأخلاق وبداعة الهيئات والمناظر ولطافة العشرة وجلالة المناصب: {تك} بإسقاط النون مع التصوير للحال بالمضارع {تأتيكم} على سبيل التجدد شئيًا في أثر شيء {رسلكم} أي الذين هم منكم فأنتم جديرون بالإصغاء إليهم والإقبال عليهم، لأن الجنس إلى الجنس أمثل، والإنسان من مثله أقبل {بالبينات} أي التي لا شيء أوضح منها {قالوا} أي الكفار: {بلى} أي أتونا كذلك، ثم استأنفوا جوابهم لما حصل من التشوف إليه بما حاصله عدم إجابتهم فسببوا عن إخبارهم بعدم إجابتهم للرسل عدم إجابة دعائهم فقال تعالى مخبرًا عنهم: {قالوا} أي الخزنة: {فادعوا} أي أنتم الآن الله أو أهل الله من رسل البشر أو الملائكة أو غيرهم، أو لا تدعوا فإنه لا يسمع لكم.
ولما كان أمرهم بالدعاء موجبًا لأن يظنوا نفعه، أتبعوه بما أيأسهم لأن ذلك أنكأ وأوجع وأشد عليهم وأفظع بقولهم: {وما} دعاؤكم- هكذا كان الأصل، ولكنه أتى بالوصف تعليقًا للحكم به فقال: {دعاءُ الكافرين} أي الساترين لمرائي عقولهم عن أنوار العقل المؤيد بصحيح النقل {إلا في ضلال} أي ذهاب في غير طريق موصل كما كانوا هم في الدنيا كذلك فإن الدنيا مزرعة الآخرة، من زرع شيئًا في الدنيا حصده في الآخرة، والآخرة ثمرة الدنيا لا تثمر إلا من جنس ما غرس في الدنيا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أن الكلام في تلك القصة لما انجر إلى شرح أحوال النار، لا جرم ذكر الله عقيبها قصة المناظرات التي تجري بين الرؤساء والأتباع من أهل النار فقال: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ في النار} والمعنى اذكر يا محمد لقومك إذ يتحاجون أي يحاجج بعضهم بعضًا، ثم شرح خصومتهم وذلك أن الضعفاء يقولون للرؤساء {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} في الدنيا، قال صاحب الكشاف تبعًا كخدم في جمع خادم أو ذوي تبع أي أتباع أو وصفًا بالمصدر {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مّنَ النار} أي فهل تقدرون على أن تدفعوا أيها الرؤساء عنا نصيبًا من العذاب، واعلم أن أولئك الأتباع يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف، وإنما مقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تخجيل أولئك الرؤساء وإيلام قلوبهم، لأنهم هم الذين سعوا في إيقاع هؤلاء الأتباع في أنواع الضلالات فعند هذا يقول الرؤساء {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} يعني أن كلنا واقعون في هذا العذاب، فلو قدرت على إزالة العذاب عنك لدفعته عن نفسي، ثم يقولون {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} يعني يوصل إلى كل أحد مقدار حقه من النعيم أو من العذاب، ثم عند هذا يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين فيرجعون إلى خزنة جهنم ويقولون لهم {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفّفْ عَنَّا يَوْمًا مّنَ العذاب} فإن قيل لم لم يقل: وقال الذين في النار لخزنتها بل قال: {وَقَالَ الذين في النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ}؟ قلنا فيه وجهان الأول: أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع والثاني: أن يكون جهنم اسمًا لموضع هو أبعد النار قعرًا، من قولهم بئر جهنام أي بعيدة القعر، وفيها أعظم أقسام الكفار عقوبة وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة، فإذا عرف الكفار أن الأمر كذلك استغاثوا بهم، فأولئك الملائكة يقولون لهم {أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات} والمقصود أن قبل إرسال الرسل كان للقوم أن يقولوا إنه {مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ} [المائدة: 19] أما بعد مجيء الرسل فلم يبق عذر ولا علة كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وهذه الآية تدل على أن الواجب لا يتحقق إلا بعد مجيء الشرع، ثم إن أولئك الملائكة يقولون للكفار ادعوا أنتم فإنا لا نجترىء على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين أحدهما: كون المشفوع له مؤمنًا والثاني: حصول الإذن في الشفاعة ولم يوجد واحد من هذين الشرطين فإقدامنا على هذه الشفاعة ممتنع لكن ادعوا أنتم، وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة، ولكن للدلالة على الخيبة، فإن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكفار، ثم يصرحون لهم بأنه لا أثر لدعائهم فيقولون {وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ في ضلال} فإن قيل إن الحاجة على الله محال، وإذا كان كذلك امتنع أن يقال: إنه تأذى من هؤلاء المجرمين بسبب جرمهم، وإذا كان التأذي محالًا عليه كانت شهوة الانتقام ممتنعة في حقه، إذا ثبت هذا فنقول إيصال هذه المضار العظيمة إلى أولئك الكفار إضرار لا منفعة فيه إلى الله تعالى ولا لأحد من العبيد، فهو إضرار خال عن جميع الجهات المنتفعة فكيف يليق بالرحيم الكريم أن يبقى على ذلك الإيلام أبد الآباد ودهر الداهرين، من غير أن يرحم حاجتهم ومن غير أن يسمع دعاءهم ومن غير أن يلتفت إلى تضرعهم وانكسارهم، ولو أن أقصى الناس قلبًا فعل مثل هذا التعذيب ببعض عبيده لدعاه كرمه ورحمته إلى العفو عنه مع أن هذا السيد في محل النفع والضرر والحاجة، فأكرم الأكرمين كيف يليق به هذا الإضرار؟ قلنا أفعال الله لا تعلل و{لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23] فلما جاء الحكم الحق به في الكتاب الحق وجب الإقرار به، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النار} أي يختصمون فيها {فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} عن الانقياد لِلأَنْبِيَاءِ {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} فيما دعوتمونا إليه من الشرك في الدنيا {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ} أي متحملون {عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النار} أي جزءًا من العذاب.
والتبع يكون واحدًا ويكون جمعًا في قول البصريين واحده تابع.
وقال أهل الكوفة: هو جمع لا واحد له كالمصدر فلذلك لم يجمع ولو جمع لقيل أتباع.
{قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ} أي في جهنم.
قال الأخفش: {كُلٌّ} مرفوع بالابتداء.
وأجاز الكسائي والفراء {إِنَّا كُلًا فِيهَا} بالنصب على النعت والتأكيد للمضمر في {إِنَّا} وكذلك قرأ ابن السَّمَيْقَع وعيسى بن عمر.
والكوفيون يسمون التأكيد نعتًا.